تحقيقات وحوارات
لمصلحة من يتم تغييب ديوان المراجعة القومي عن المشهد؟
تقرير : خالد فضل السيد
جدل واسع آثاره قانون التعديلات لولاية وزارة المالية على المال العام لسنة ٢٠٢٣ والذي بموجبه تم ضم ديوان المراجعة القومي لوزارة المالية هذا القرار وجد استنكارا من العاملون بالديوان ومن العديد من القانونيون والخبراء الاقتصاديون الذين أبدوا استعدادهم للوقوف بجانب المراجعة القومي لمناهضة القرار الذي يحد من استغلاليته وحياده في القيام بادواره الرقابية .
من جهتهم نظم العاملون بديوان المراجعة القومي وقفة احتجاجية بدارهم وشكلوا جمعية عمومية لمناهضة القرار مؤكدين أنهم سيتخذون خطوات تصعيدية تنتهي بالإضراب وقد اصدروا بيانا جاء في نصه أن تعديلات وزير المالية على قانون الديوان كانت في المواد (١/٢٠) / (١/٢٤) /(٣١) (١/٣٢ ) /(٣٨) من قانون ديوان المراجعة القومي لسنة ٢٠١٥م وهذه المواد هي التي تعزز استغلالية الديوان وفصله عن السلطة التنفيذية وقد قام وزير المالية بإضافة فقرة في نهاية البند (بموافقة وزارة المالية والاقتصاد الوطني) وقام بحذف عبارة (المجاز بواسطة رئيس الجمهورية ) من القانون مما يعد تدخلا سافرا من الجهاز التنفيذي على الجهاز الرقابي مما يؤدي إلى إضعافه وأشار البيان أن قانون ديوان المراجعة القومي لسنة ٢٠١٥ جاء متوافقا مع المعايير الدولية والأعراف السائدة التي تحكم عمل الأجهزة العليا للرقابة كالمعيار الدولي رقم ( ١٠) / (١٢) / (١٣٠) وغيرها وجاءت هذه التعديلات من وزير المالية على الرغم من الرفض التام لوزراة العدل عبر مذكراتها التي بنيت بنصوص من الوثيقة الدستورية والقوانين السارية أن تبعية الديوان للجهاز التنفيذي يقوض من مبدأ استغلاليته وإمكانية مباشرة مهامه بحيادية وتعجب العاملون بالديوان من تصريحات الإدارة التي جاءت في الموقع الرسمي حيث أفادت أن مايتم تداوله هو عبارة عن مقالات في الصحف ولايوجد توقيع على القوانين مع علم الإدارة أن هنالك توجيه من السيد الأمين العام لمجلس السيادة للسيد وكيل المالية بالموافقة على التعديلات في القوانين خطاب بتاريخ ٧ فبراير ٢٠٢٣ واكد العاملون بالدايون عبر البيان رفضهم التام لهذه التعديلات شكلا ومضمونا باعتبار أن المساس بديوان المراجعة القومي يعني فتح الباب على مصراعيه للفساد وبدروه سيؤدي إلى إغلاق الباب أمام المانحين الدوليين لانتفاء الشفافية والاستغلالية لجهاز الرقابة الأعلى في الدولة وغياب مبدأ المساءلة والمحاسبة ودعا البيان الجميع للتوحد صفا واحدا للمطالبة بالحقوق المشروعة بنص القانون ودعم المبادرات واللجان إلى شكلها المراجعون للدفاع عن استغلالية الديوان مع وضع جدولة واضحة وتمليك المراجعين كل التفاصيل .
من جانبهم قالت رئيس لجنة مناهضة التعديلات على قانون المراجع العام الأستاذة إخلاص خضر انهم يقاتلون من أجل إحقاق حق أصحاب المصلحة الأصليين في ديوان المراجعة المتمثلين في الشعب السودانى مبينة أن التعديلات التي تمت تعتبر اعتداء على حق من حقوق الشعب السوداني في أن يكون له جهاز رقابي فاعل ومستقل يعمل وفق قانونه.
فيما أشار المستشار القانوني بالديوان دكتور يس جمعة بيرو إلى خطورة التعديلات التي تمت مؤكدا أنها غير شرعية كونها تستند على الطريقة التي يجب أن يعدل بها القانون كونها تخالف الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ وأبان أن التعديلات تمت اجازتها من سلطة غير تشريعية وتمت اجازتها من وزير المالية وهي بذلك تضع المراجع العام تحت ولاية وزارة المالية وأكد أن قانون المراجعة نفسه ينص على عدم جواز تعديل لأي جهة غير ديوان المراجعة لافتا أن التعديلات شملت المادة ٢٠ المتعلقة بمخصصات المراجع العام والتي يحددها رئيس الجمهورية وقد تم تعديلها ليحددها وزير المالية.
وأشار يس أن هذا الأمر يمس استغلالية المراجع العام وهو بذلك وفقا للتعديل تابعا لوزير المالية وأوضح يس أن العاملون
بالديوان موظفين خاضعين للهيكل الراتبي بمجلس الوزراء مما يعني أن الديوان بأكمله خاضعا للجهاز التنفيذي ولن يكون بمقدوره أن يقوم بمراجعة وزارة المالية طالما أصبح جهة تابعة لهما.
رؤية الخبراء القانونيون والاقتصاديون للقرار …
وجه الخبراء الاقتصادييون والمراجعون انتقادات حادة لهذه التعديلات التي مست الديوان مشيرين أن الجزئية المتعلقة بتبعية الديوان لوزارة المالية وليس كجهة سيادية عليا يعتبر معيبا ويرى آخرون أن مشكلة ولاية وزارة المالية على المال العام ليست قانونية وإنما مشكلة إدارية مؤكدين أن القوانين موجودة ولكن تنفيذها هو المشكلة وأشار
الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير قال إن قانون التعديلات المتنوعة لولاية المالية على المال العام به إيجابيات وسلبيات وبعض التعقيدات لإقراره تعديلات على كثير من القوانين موضحا كنا نتوقع حسم قضية تجنيب الإيرادات وتحصيل الرسوم خارج أورنيك( ١٥) ووضع ضوابط تحصيل إيرادات الذهب والمعادن بجانب إخضاع شركات القطاع العام للمراجعة والرقابة والعمل في الأنشطة الاستراتيجية وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص بينما يرى دكتور محمد فتحي الخبير الاقتصادي تفعيل دور المؤسسات الرقابية بوزارة المالية والمراجعة الداخلية وديوان الحسابات وإدارة الموازنة العامة وإدارة القروض والمنح من أجل زيادة الإيرادات وضبط المصروفات التزاما بقانون الموازنة العامة وأقر بوجود سلبيات وايجابيات في قانون التعديلات المتنوعة لولاية المالية على المال العام وأضاف من الإيجابيات تعديل قانون الثروة النفطية وإقرار هيكل راتبي موحد للدولة مع إعطاء امتيازات وبدلات تراعي طبيعة وخصوصية الأجهزة الحكومية والوحدات الإيرادية ذات الاستغلالية مبينا أن السلبيات تكمن في تحصيل عائدات التعدين التي تحتاج إلى مزيد من الضوابط وقضية تجنيب الإيرادات بجانب عدم منافسة القطاع الخاص وتعظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
فيما يرى الخبير الاقتصادي دكتور عمر حسن الحريف أن هدف ولاية وزارة المالية على المال العام هو هدف رقابي واقتصادي نبيل إذا كان يهدف لزيادة الإيرادات وضبط وترشيد الصرف والانفاق العام من سلم الأولويات المتفق عليه ومحاربة التجنيب وعدالة توزيع الثروة وتحقيق الرقابة المالية بشفافية وهي تعتبر أهداف اقتصادية مرغوبة ومطلوبة لكن للأسف لا تتوفر ثقة في تحقيق واحد من هذه الأهداف مما يجعلها تأتي بنتائج عكسية بل كارثية تماما ويرى الحريف أن توحيد المرتبات والأجور سيعقد المشهد تماما فهنالك قاعدة تسمى (اقتصاد العمالة تقول لابد من الأجر المتساوي) فمن غير الممكن تساوي مرتبات العمال والموظفين المهرة مع العمالة العادية فهنالك أعمال خطرة وتسبب مخاطر وأمراض لايمكن تسويها بغيرها وهنالك من يعملون مع المال العام كجامعي الزكاة والضرائب فلابد أن تغنيها كما قال الإمام علي كرم الله وجهه كي لاتمتد أيديهم لحق غيرهم ويوجد أيضا من يعملون بمؤسسات ايرادية كالفحص الآلي والموانئ الذي يدخل مبالغ كبيرة للدولة فلابد من تحفيذهم لبذل المزيد من الجهد في التحصيل وإذا ساويتهم بغيرهم ستفقد الكثير من الإيرادات فالمساوة غير ممكنة على الإطلاق ومضرة وستاتي بنتائج سلبية وعن ضم وزارة المالية لديوان المراجع القومي تحت سلطتها قال هذا غير ممكن مشيرا أن المراجع يتمتع بالاستغلالية والموضوعية والحياد وهو مثل السلطة القضائية تماما في مجال المعاملات المالية.
في ذات الصدد أشار المحامي والمستشار القانوني الأستاذ عبدالمنعم حسن صالح الحبر أن تبعية ديوان المراجعة القومي لوزارة المالية قرار غير موفق حيث أن ذلك يضع الديوان تحت امرة وزير المالية ووزارته المعنية بالمراجعة وهذا الوضع يجعل المراجع العام يفقد حيادته واستغلاليته ونزاهته وبالتالي يفتح الباب واسعا للفساد بمختلف ضروبه وأبان الحبر من الناحية القانونية فإن وضعية ديوان المراجعة القومي في تبعية وزارة المالية يجعل الطعن في تقاريره محل نظر بل قد تفقد حجتها القانونية مع العلم ان ديوان المراجعة القومي هو جهة مستقلة وهذه الاستغلالية هي قوة اعتراف الآخرين داخليا وخارجيا بدوره كاملا دون رقيب وتظهر قوته في قوة تقاريره التي يستند إليها القضاء كبينة وذلك نابع من استغلاليته وحياده بالنسبة لقرار وزير المالية بضم الديوان إليه يمكن مناهضة ذلك باللجوء الي القضاء وأصبحنا نتسال (هل يحق لوزير المالية إلغاء قانون ديوان المراجعة القومي الذي تم بقرار جمهوري من رئيس الجمهورية) لذا نناشد السيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بارجاع الديوان لوضعه الطبيعي والمحافظة على مكانته كجهة اعتبارية مستقلة موثوق بها لدى الكافة.