تحقيقات وحوارات
تقرير: لا سبيل أمام الإمارات إلا بتحسين علاقاتها بالسودان والتوقف عن دعم الحرب..
بعد حصارها في مجلس الأمن،،
الإمارات.. تمويه جديد ولعبة مكشوفة،،
خطاب الحارث وما تضمنه من أدلة حرّك المياه تحت جسر الموقف الإماراتي..
حصار دولي على أبوظبي، وسط اتهامات صريحة، وعقوبات مرتقبة..
محاولات لشراء الوقت واستثمار النفوذ المالي لتجنب العقوبات..
الدعوة إلى الحل السياسي، لعبة مكشوفة لإعادة “شُلّة حمدوك” إلى سُدة الحكم..
لا سبيل أمام الإمارات إلا بتحسين علاقاتها بالسودان والتوقف عن دعم الحرب..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
قالت الإمارات إنها مهتمة بوقف الحرب في السودان والعودة إلى المسار السياسي، ورفض أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي، اتهامات الخرطوم بمسؤولية أبي ظبي عن استمرار الحرب في السودان، ويأتي حديث قرقاش، متسقاً مع تأكيدات مندوب الإمارات الدائم لدى الأمم المتحدة السفير محمد أبو شهاب، الذي أكد أن توجه الإمارات يقوم على حل سياسي عاجل يحافظ على السودان ويساعد الشعب السوداني الشقيق، وكانت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإمارتية، ريم بنت إبراهيم الهاشمي، جددت موقف بلادها الداعي إلى الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار في السودان، والعمل على إيجاد حل سلمي للأزمة، من خلال تغليب صوت الحكمة والعقل، وتكثيف العمل الجماعي والجهود المشتركة للدفع نحو وقف الصراع وإنهاء الأزمة بما يعزز أمن واستقرار السودان، ويؤدي إلى حقن الدماء، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة يشارك فيها ويقودها المدنيون، بما يلبي تطلعات شعبه الشقيق في التنمية والازدهار.
أوج الخلاف:
ووصل الخلاف بين السودان والإمارات أوجه في أواخر نوفمبر ٢٠٢٣م عندما اتهم الفريق أول ركن ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة دولة الإمارات “بدعم قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش” عبر مطارات في أوغندا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، وتطور الخلاف بين البلدين إلى تصعيد دبلوماسي في ديسمبر ٢٠٢٣م، حينما أعلنت الخرطوم طرد ١٥ من الدبلوماسيين العاملين في سفارة الإمارات، باعتبارهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم ردّاً على قرار إماراتي بطرد الملحق العسكري بسفارة السودان في أبوظبي واثنين من الدبلوماسيين.
اتهامات دامغة:
وكان مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس الحارث قد وجه الثلاثاء اتهامات للإمارات بدعم قوات الدعم السريع، محملًا إياها مسؤولية استمرار الحرب في السودان إلى الآن، وقال “إدريس” إن الحكومة السودانية تملك أدلة على دعم الإمارات لميليشيات الدعم السريع، مؤكداً أن أبوظبي ترعى الإرهاب الممنهج والعرقي في السودان وتوفر أسلحة لميليشيا الدعم السريع عبر تشاد وجنوب ليبيا وأفريقيا الوسطى، مبيناً أن تلك القوات تهاجم أهالي القرى والبلدات بشكل “متعمد وممنهج، مطالباً الإمارات أن تنأى بنفسها عن السودان كي يعود إليه الاستقرار”، داعياً مجلس الأمن إلى إدانة دولة الإمارات.
اعتماد أدلة:
واعتمد مجلس الأمن الدولي الأدلة الدامغة التي قدمتها الحكومة السودانية في جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة الأسبوع الماضي بشأن ضلوع الإمارات في الحرب المندلعة منذ منتصف أبريل من العام ٢٠٢٣م في السودان من خلال دعم وإسناد ميليشيا الدعم السريع، وقالت وزارة الخارجية السودانية، إنه عقب نهاية اجتماع مجلس الأمن، قامت الرئاسة الدورية للمجلس، التي تتولاها كوريا الجنوبية، بتعميم رسالة من المندوب الدائم للسودان على أعضاء مجلس الأمن تضمّنت المزيد من أدلة التورط الإماراتي في حرب السودان، بما يضاعف من حجم الانتهاكات المرتكبة ضد الشعب السوداني وقد تم اعتماد الرسالة كوثيقة من وثائق مجلس الأمن.
حصار دولي:
وبحسب مراقبين فإن الإمارات تبدو محاصرةً أكثر من أي وقت مضى بالوقوع في براثن عقوبات دولية عقب الأدلة الدامغة التي قدمتها الحكومة السودانية والتي تثبت تورط أبوظبي في دعم وإسناد وتشوين ميليشيا الدعم السريع، خاصة مع اعتزام الكونغرس الأمريكي المصادقة على تشريع يحظر بيع الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات، وقالت النائبة الأمريكية في الكونغرس سارة جاكسون العضو البارز في اللجنة الفرعية لأفريقيا، والتي كانت قد طرحت مشروع القرار، إن خطوة حظر بيع السلاح للإمارات، ستمكّن الرئيس الأمريكي جو بايدن من التأكد أن أبوظبي لم تعد تقدم دعماً مادياً لميليشيا الدعم السريع في السودان، وأكدت جاكسون مساهمة الإمارات في مستويات مروعة من العنف والدمار والمعاناة في السودان.
تغيير الخطاب الإماراتي:
ويعتبر الصحفي محمد السني أن تغيير لهجة الخطاب الإماراتي من خطه الاستعماري تجاه حكومة السودان وشعبها، والتزام أبوظبي مسار الدبلوماسية بالتفكير نحو الحل السياسي يعكس عدة حقائق: أولها اعتراف الإمارات بفشل المشروع العسكري لميليشيا الدعم السريع في الاستيلاء على السلطة في السودان، وثانيها أن الإمارات تحاول تفادي سيف العقوبات المسلط على رقبتها على خلفية الإدانات التي قدمها السودان، والاتهامات التي طالتها من قبل المجتمع الدولي بشأن ضلوعها في الحرب، ويقول السني في حديثه للكرامة إن أبوظبي تحاول بتركيزها على الحل السياسي أن تفتح أبواب الأمل لإعادة ما وصفها ب” شُلة حمدوك ” لتَصَدُّر المشهد السياسي ومحاولة العودة إلى سُدة الحكم مرة أخرى.
خطوة استباقية:
ويرى رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم، عاصم البلاَّل أن الخطاب الإماراتي تجاه السودان، لا يبدو متسقاً مع ردة الفعل الخاصة بكلمة مندوب السودان لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس والتي وصفها بالسياسية أكثر من كونها دبلوماسية، واعتبر البلّال في حديثه للكرامة أن اللغة الخطابية الإماراتية تجاه حرابة السودان، تعبيرية يقتضيها واقع الحال الدبلوماسي، وهي استباقية لخطوة الفصل في شكوى السودان الرسمية لتنقية الأجواء، مبيناً أن الموقف الإماراتي الراهن يتسم بالعلاقات العامة والدفع الدبلوماسي والسياسي للاتهامات السودانية الخطيرة، مؤكداً أن تغيير نبرة الخطاب الإماراتي لن تجدي فتيلاً ونفعاً مالم تنصلح العلاقات المشتركة ويتم البت في الدعوى بالبينات السودانية والدفاعات الإماراتية، أو بحدوث تحول مفاجئ واختراق نوعي يحرّك جمود العلاقات ومتاريس الحرب الباردة بلقاء مباشر أو حتى عبر وسيط محايد.
على كلٍّ فقد وضح أن خطاب السودان أمام جلسة مجلس الأمن الدولي الثلاثاء وما تضمنه من أدلة دامغة قد حرّك الكثير من المياه تحت جسر الموقف الإماراتي الداعم لميليشيا الدعم السريع، مما جعل أبو ظبي تسارع إلى تليين لهجتها الاستعلائية وتحاول البحث عن مخرج آمن، سواءً باستغلال نفوذها المالي، أو استثمار علاقاتها داخل المنظمة الدولية، أو بمحاولة شراء بعض الوقت، بغية تصحيح مسارها والتزام الحل السياسي بعيداً عن الحل العسكري، عسى ولعل ذلك يغيّر من اتجاه عاصفة العقوبات الدولية المرتقبة.