مشروع وطني لإصلاح النسيج المجتمعي ومواجهة خطاب الكراهية في السودان

مشروع وطني لإصلاح النسيج المجتمعي ومواجهة خطاب الكراهية في السودان
تقرير: سودان بور
من عمق الأزمة.. ولادة أمل
في وقت يشهد فيه السودان واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية والاجتماعية في تاريخه، تبرز مبادرة “المشروع الوطني لإعمار وإصلاح النسيج المجتمعي” كشريان أمل ينبض من ولاية سنار حاملاً معه أحلام الملايين في سودان موحد يسع الجميع.
فبعد حرب طاحنة خلَّفت أكثر من 12 مليون نازح، ووضعاً إنسانياً مأساوياً يعاني فيه 25 مليون سوداني من الحاجة للمساعدات الإنسانية، يأتي هذا المشروع ليسدّ صدعاً عميقاً في النسيج الاجتماعي السوداني، وليواجه خطاب الكراهية الذي تفشى كالنار في الهشيم.
البداية من سنار
لم يكن اختيار ولاية سنار نقطة انطلاق للمشروع الوطني القومي مجرد صدفة، بل جاء “استحقاقاً تاريخياً” كما يؤكد البروفيسور أحمد صباح الخير رزق الله، الرئيس المناوب للمشروع.
فمن سنار بدأت الدولة السودانية، ومنها انطلق النصر في معركة الكرامة إلى الخرطوم.
والولاية التي تمتلك نسيجاً مجتمعياً قوياً وثابتاً تقدم نموذجاً فريداً في الحفاظ على التماسك الاجتماعي والسلم الأهلي، مما جعلها “مهيأة تماماً لقيادة انطلاقة المشروع الوطني”.
ويضيف البروفيسور صباح الخير في تصريحات خلال الحفل الرسمي لتَدشين المشروع: “البداية من سنار ليست مجرد اختيار عشوائي، بل هي قراءة متعمقة للواقع والتاريخ”، وهو ما يؤكده الواقع، حيث تشهد سنار بالفعل عمليات صلح ملموسة بين العديد من المكونات المجتمعية، ما يجعلها نموذجاً يمكن تعميمه على بقية الولايات كـ”خارطة طريق للإصلاح المجتمعي الشامل”.

الرؤية والأهداف
يتبنى المشروع رؤية شاملة تستند إلى معالجة جذور الأزمة السودانية، ويهدف المشروع إلى بناء نسيج اجتماعي متماسك ومتسامح في السودان، قائم على العدل والمصالحة المجتمعية والاعتراف المتبادل.
آليات العمل
يعتمد المشروع على ثماني آليات عمل رئيسية، لا تقتصر على الإصلاح النظري بل تمتد إلى الجانب العملي الملموس، وتتمثل في إجراء المصالحات المجتمعية بين المكونات المختلفة ونشر قيم التسامح والوحدة الوطنية من خلال برامج توعوية وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين من الحرب، بجانب تنظيم حراك دعوي وتوعوي عبر الندوات الدينية والمنابر الإعلامية
ودعم مشاريع تنموية لمحاربة البطالة وتعزيز سبل العيش الكريم، اضافة إلى عمليات التدريب وورش العمل لنشر الاستنارة المجتمعية وسن القوانين لمحاربة خطاب الكراهية بشكل حاسم ووضع المواثيق والأنساق الثقافية بالاستعانة بالمنظمات المختلفة
سودان ما بعد الحرب
تكشف الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023 عن هشاشة الدولة السودانية أمام التوظيف السياسي للانتماءات القبلية والعرقية، حيث تحولت مناطق النزاع إلى ساحات لتصفية الحسابات التاريخية بين المكونات المحلية، وتجلت بوضوح مظاهر العنصرية والإقصاء . وقد أدى “اعتماد الحكومات المتعاقبة في السودان على الولاءات القبلية في توزيع المناصب والثروات إلى ترسيخ ثقافة المحاصصة على حساب بناء دولة المؤسسات وإرساء سيادة القانون” .
وفي هذا السياق، يبرز المشروع الوطني كحاجة ملحة “لامتصاص ضغوط الهويات الفرعية وترسيخ الانتماء للدولة الوطنية”.
منهجية العمل:
وضعت هيئة علماء السودان خطة إستراتيجية يُنفَّذ من خلالها المشروع الوطني في ولاية سنار على ثلاث مراحل، تحت قيادة الشيخ الدكتور عبدالوهاب بابكر علي، رئيس المشروع بالولاية، وبرعاية والي الولاية اللواء ركن الزبير حسن السيد، وتشمل هذه المراحل:
1.مرحلة التأسيس والتشبيك: وتشمل لقاءات مع القيادات التقليدية والدينية والمجتمعية، وبناء تحالفات مجتمعية داعمة.
2. مرحلة البرامج والمشاريع: وتتضمن تنفيذ آليات العمل الثمانية بشكل ميداني وملموس.
3. مرحلة التعميم والتوسع: حيث سيتم تعميم النموذج الذي تنجح سنار في تقديمه على بقية الولايات السودانية.

دعم واسع وشراكات مجتمعية
لقي المشروع ترحيباً ودعماً واسعاً من مختلف القيادات في ولاية سنار، فخلال زيارته، التقى البروفيسور صباح الخير بالمدير التنفيذي لمحلية سنار، السيد فيصل عبدالرحمن أحمد، الذي أكد دعمه الكامل لتنفيذ المشروع بالمحلية وتضامنه ووقوفه مع المشروع، مشيراً إلى الدور البطولي لهيئة علماء السودان في معركة الكرامة.
كما شملت الزيارة لقاءات مع ناظر عموم كنانة، الناظر الفاضل محمد إسماعيل الكودة، الذي أعلن دعمه الكامل للمشروع، والشريف محمد بن الشريف التيجاني في منطقة كركوج، وسلطان مايرنو، علي محمد طاهر، في إطار حرص المشروع على التواصل مع كل مكونات وقيادات المجتمع السوداني.
من سنار.. ينبع النهر
من سنار، حيث بدأت الدولة السودانية، تبدأ اليوم رحلة إعادة البناء، إن المشروع الوطني لإعمار وإصلاح النسيج المجتمعي ليس مجرد مبادرة بل هو الضوء الذي ينير نفق الأزمة المظلم، إنه يعيد للسودانيين ثقتهم بأنفسهم وببعضهم بعضاً، ويقدم إجابة عملية على سؤال: كيف نعمر ما دمرته الحرب؟
إن نجاح هذا المشروع لن يُقاس بعدد الندوات أو ورش العمل، بل بقدرته على تحويل خطاب الكراهية إلى ثقافة تعايش، وتحويل النزاعات إلى شراكة، وتحويل اليأس إلى أمل، إنه المشروع الذي “لا يهدف فقط إلى رتق النسيج الاجتماعي، بل إلى بناء سودان جديد يسع الجميع” كما يؤكد القائمون عليه.
فمن سنار.. من عمق التاريخ وأصالة المجتمع، تبدأ رحلة الشفاء. ومن هنا، سينطلق النموذج الذي سيعم كل ولايات السودان، حاملاً معه قيماً جديدة تقوم على التسامح والعدالة والاعتراف المتبادل.
إنها البداية الحقيقية لسودان ما بعد الحرب.. سودان الحرية والسلام والعدالة.







