رأي

ياسر الفادني يكتب في من اعلى المنصة: أنا ليهم بقول كلام …. نار بت الشوبلي وهدير خلف الله حمد

من أعلى المنصة

ياسر الفادني

أنا ليهم بقول كلام …. نار بت الشوبلي وهدير خلف الله حمد

في هذا النص الفريد، تمتزج العبارة الشعبية بالنَفَس الملحمي، وتنهض كلمات الشاعرة زينب بابكر عبد الله الشوبلي بت أم مغد كما لو أنها صفارة البدء لمعركة من مجد الكلمات لا تقل حرارة عن غبار ميادين الفرسان، النص ليس أغنية عابرة، بل هدير قبيلة، وصهيل قوة، وكتاب من تحدٍ معلّق على حبال الصوت الخماسي لخلف الله حمد

تكثّف الشاعرة صورها البلاغية لتصنع جدارًا من الفخر، وهي تدلق اللغة كما تدلق النار على الحديد، تجانس بين موروث القوة ومجازات الحرب، فتقول:
“دخلوها وصقيرها حام… سم أب درق البصقع جدرى القيح البفقع”
وهي ليست كلمات عبثية، بل تشبيهات وحدها البيئة السودانية تعرف كيف تصيغها فالصقير الذي حام رمز الجاهزية، والقيح الذي (يبفقع) إشارة إلى القوة التي تتعامل مع الصعب بلا وجل، هنا البلاغة ليست محسنات لفظية، بل بلاغة موقف

وتتابع الشاعرة ضرب صورها كمن يطرق الحديد وهو محموم بالعزة:
(الجرادى تكل الجدرى البعادي… للخصيم ضربو بيا ذى موسى المر الحجازي)،
هنا مزج بين الأسطورة الدينية والسيرة الشعبية، بين موسى وهراوته وبين فارس حجازي، لتضع الخصم في زاوية ضيقة لا يخرج منها إلا بهزيمته

ثم تدخل القصيدة مرحلة الفخر الأقصى حين تقول:
(ديل جنياتنا الندادة… سيد الدار في السيادة)،
وهي عبارة تجمع بين الأنوثة وقوتها، فالجنية هنا ليست كائناً خرافياً، بل امرأة سودانية صلبة، منبت قوة وجذر كرامة، وفي عبارة (سيد الدار في السيادة) ترتفع اللغة إلى قمة اليقين، حيث لا يُناقش الفخر بل يُعلن إعلانًا

أما صوت خلف الله حمد، فهو ليس مؤديًا بل محارب صوتي، صوته الخماسي ذلك الذي يسحب الروح من أعمق أعماق الأرض، يضع هذه الكلمات على ظهر إيقاع يشبه الخيول حين تهدر في الميدان ، خلف الله حمد لا يغني هذا النص فقط، بل يقاتله، يدفعه للأمام، يجعل العبارة طلقة، والنغمة صرخة، والبيت الشعري بيانًا عسكريًا
اللحن الخماسي هنا ليس زخرفًا، بل سلاحًا، يضرب في الباطن قبل الظاهر، ويوقظ الذاكرة القبلية والوجدانية للسوداني الذي يسمعه

وتبلغ الحماسة ذروتها في الخاتمة حين تقول زينب:
(أنا نميت جبت غناكم يا البينين هوي براكما… الصف العامر يرجاكم؟ أتباشرو لي بلاكم وأركزو زينب وراكما)
هذا الإعلان ليس شعريًا فقط إنه قسم، قسم بأن الكلمة ستظل سيفًا مسلولًا وأن الفخر سيظل ممتدًا، وأن الشاعرة ليست شاهدة بل شريكة في العز، واقفة خلف قومها، ترسلهم إلى الميدان بالكلمة التي توازي السلاح

إني من منصتي انصت…. حيث أحس …. أنها أغنية لا تُسمع… بل تُقاتَل
ولا تُردد… بل تنتفض فيك
وهي من تلك الأعمال التي لا تُكتب لتُطرِب، بل لتوقِظ الفخر الخام الكامن في الدم السوداني.

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى