رأي

حيدر التوم خلفية يكتب: عالم ما بعد الكورونا

*عالم ما بعد الكورونا …*

*الخلاف السعودي الأمريكي ..إرتداداته , والسيناريوهات المتوقعة …*

*احتلال مناطق النفط .. بزوغ الأحلاف وإعادة ترتيب المنطقة ..*

*حيدر التوم خليفة*

هجمات متعددة بطائرات مُسيرة وصواريخ باليستية وآخري طوافة بالغة الدقة ، تعرضت لها العديد من مناطق المملكة، خاصة تلك التي لها ارتباط بمخزونات أرامكو البترولىة في جدة ، وبعض المناطق الأخري المهمة ، ومنها قصور ومقار ملكية ..

وإعلام المملكة ما زال يردد ويتهم الحوثيين ومن خلفهم ايران بتنفيذ هذه الهجمات ، رغم أن السلطات السعودية تعرف السر ، وتدرك الفاعل الحقيقي ، وتعلم من يقف وراءها ، فالمخابرات الروسية تمدها بسيل معلوماتي متدفق ، مدعوماً بصور الاقمار الصناعية التي تغطي سماء المملكة ساعة بساعة ..

كما تدرك سلطات السعودية أن هذه الدفقات الهجومية ، والتي فشلت دفاعاتها المتقدمة عن رصدها وصدها ، نُفذت بتكنولوجيا دقيقة متقدمة ، لا تملكها إيران ، دعك عن الحوثيين ، ويرون ان الامر يدخل في خانة التأديب والعقاب لبعض مواقفهم السياسية الاحتجاجية المستقلة الاخيرة ..

ولكن للاسف ليت الأمر ، وقف عند هذا الحد ، لأن المقصد اكبر من ذلك بكثير ، فهو فصل من فصول عالم ما بعد الكورونا والتي صممت للقضاء علي جزء كبير من البشرية ، وهو العالم الذي بدأ تدشينه بمراجعة مفاهيم ثقافة العولمة ، والانتقال من مرحلة قوة الثقافة الي ثقافة القوة ، وهي ذات المفاهيم التي يُعاد تشكيلها وفقا لصراعات الموارد الاقتصادية ، وحروب السيطرة المحكمة وسيادة العالم ، وذلك ليس تبعا لمبدأ البقاء للاقوي ، ولكن وفقا لمبدأ البقاء للافيد والاصلح فقط ، لأنهم لا يريدون قوة غيرهم ، لهذا فإن معظم البشرية عليها أن تترجل وتذهب غير مأسوف عليها ، سواء أن كان إعدامها بالحروب المدمرة ، أو بالاوبئة الفتاكة ، أو المجاعات .، بحكم أنها صارت مُهلكة ومستنفِذة لموارد الأرض ، ضارة ببيئتها ..

وعندما تحدث جو بايدن بسوء عن حكام المملكة السعودية ، وهو في خضم حملته الانتخابية الأخيرة ، لم يكن يقصدهم ويعنيهم علي المستوي الشخصي ، وإن كان لا يخلو من حقد مكتوم ، فهو نفسه ليس أكثر من مخلب قط ، وأجير عند سادته المخفيين ، وانما كانت عينه على الدولة ذات الثِقل الروحي الاسلامي ، ومواردها النفطية الكبيرة ، وكيفية تنفيذ خطتهم القديمة الرامية الي قضم مناطق البترول واحتلالها ، وهو أمر عبٌر عنه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الجنرال كولن باول ، عندما قال ، معللا حرب العراق ، بعد سقوط اكذوبته حول أسلحة الدمار الشامل العراقية ، *( لقد جئنا إلى العراق لنصحح خطأ الرب الذي جعل البترول في أرض العرب)* ..

وبايدن هو الذي بنت عليه القوي الخزرية المالية التي تسيطر على العالم اليوم خطتها ، ومن اجله لم تتواني عن إزاحة ترامب الفائز الفعلي بانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة ، وإحلاله محله ، عبر تمثيلية سيئة الاعداد والإخراج ..

وعندما توعد جو بايدن ( المعطوب عقليا) حكام السعودية بالويل والثبور وعظائم الأمور حال فوزه ، كان توعده هذا موجها بصورة أساسية للمملكة كوجود ، وهو أمر يعني الاقتصاص منها ، عبر إعادة تشكيل المنطقة جغرافيا وديمغرافيا ، وثقافيا ، وما تطلبه ذلك لاحقا من وضع المشروع برمته على طاولة الجراحة ..

واهم ملامح هذا المشروع هو تقسيم المملكة جيومذهبيا ، وجيوديمغرافيا ، مع استحواذ امريكا ووضع يدها علي منابع البترول في شرق المملكة بصورة كاملة ، مستفيدة من أن المنطقة الشرقية الغنية بالنفط تعاني من مشاكل الهوية والمذهب ، وهي مشاكل لها ارتدادات قاصمة لظهر المملكة المُوحدة بسيف آل سعود …

مع العلم أن قضايا الهوية والمذهب والاعدام السياسي والمذهبي ، والتضييق علي للمعارضة السياسية ، مع الغياب شبه الكامل لاي ممارسة ديمقراطية حقيقية ، وسيادة دولة مدنية عصيٌِة علي التوصيف ، لأنها امتداد للتجارب الإسلامية في الحكم قديما ، اي الملكية الثيوقراطية المسنودة بالحق الإلهي والتوظيف الديني ، والمنهج التفسيري التبريري للنص ، تمثل للمملكة اهم مطايا ومداخل المطامع الإقليمية والدولية ، علما بأن المملكة مكشوفة من كل الجهات ، خاصة جبهتها الشرقية حيث التهديد الإيراني ، وجبهتها الجنوبية حيث التهديد الحوثي المدعوم إيرانيا وغربيا ، وهو الخطر الموقوف تغلغله الي الداخل السعودي حاليا بالوجود العسكري الكثيف للقوات السودانية ..

إن هذه الهجمات ما هي إلا اعلان عن بداية التنفيذ لخطة المجموعات المسيطرة عالميا ( جماعة )، ولشكل ومسار العلاقات بين الدول في عالم ما بعد الكورونا ، والذي سوف يكشف عن وجهه قريبا ، وسوف يكون التنفيذ عبر الرئاسات المصنوعة والدُمي التي نصبتها في قيادة العديد من دول العالم ، امثال بايدن ، وماكرون ، وجونسون ، وزيلنسكي ، والبولندي دودا ، وغيرهم ..

وأجزم بأن هذه الهجمات وراءها جهة تضرب عميقا في داخل ستار قوي الامن الامريكي ، مثلها مثل هجمات 11 سبتمبر 2001 ، والهجمات التي طالت منشآت شركة أرامكو شرقا حيث معامل تكرير النفط في بقيق ، وحقل خريص النفطي ، وذلك في 4 سبتمبر 2019 ، وأُتهمت بها إيران وجماعة الحوثي زورا ، وهي الهجمات التي تمت بأوامر مباشرة من المجمع الصناعي الأمريكي ، لأن القصد منها كان رفع درجة الخوف لدي الجانب السعودي والاستثمار فيه ، ودفع حكومة السعودية الي الإسراع في تنفيذ صفقات السلاح التي أبرمتها مع ترامب ، وذلك بعد إبدائها بعض التردد والبطء في التنفيذ ..

ولكن الهجمات الحالية تهدف إلي شئ مغاير تماما ، فالقصد الاول منها هو الاعلان عن بداية العد التنازلي لمشروع إعادة ترتيب المنطقة في فضائها الجيو سياسي وفقا لمبدأ تعظيم الفائدة المرجوة للجهة المُخطِطة .. اي الاستيلاء علي الشجرة المثمرة بكاملها ، أو أخذ الجمل بما حمل ، وهو قول قد يعتقده البعض هذيانا ، ولكنها الحقيقة المخفية .. والتي سوف تُفصح عن نفسها قريبا ..

وهنا يمكن الرجوع الي عشرات التصريحات التي أطلقها ترامب الرئيس الأمريكي السابق ، عبر لقاءاته التلفزيونية ، واحاديثه عن سياسته الرامية إلى الاستيلاء على البترول الخليجي ، مهما كان الثمن ، وهو أمر نُفِذ في ليبيا علي يد الديمقراطي المتلون المتواطئ أوباما ، حيث تم تدميرها وإغراقها في الحرب الأهلية طمعا في بترولها ، وسعيا للاستيلاء على ايداعاتها الدولارية في بنوك أوروبا والتي تجاوزت الترليون ومائتي مليار دولار ، وقد تم لهم ذلك ..!!!

واري أن تنفيذ الخطة قد تم استعجاله وإستقدامه ، فمن المفترض أن يبدأ التنفيذ الفعلي لها في العام 2025 ، ولكن تطورات ونتائج الحرب الروسية الأطلسية ، الغير متوقعة لديهم ، واستعدادات الصين لغزو تايوان ، وتوجهات الأمير بن سلمان ولي العهد السعودي ، المقارعة للامريكان ، والمحيرة لهم في ذات الوقت ، والتي تجلت بوضوح في تجاهله الرد على اتصالات الرئيس بايدن به ، الساعية الي حث السعودية لضخ مزيد من البترول في السوق العالمي ، خدمة للأهداف الأمريكية في حربها مع روسيا ، أو في ضعف الإستقبال الذي حُظي به الرئيس البريطاني في الرياض ، وامتعاضهم من ذلك ، وهي التصرفات الهادفة إلي رد الصاع للرئيس بايدن الذي توعدهم قبلا كما اوردت اعلاه ، مع تأكيد استقلالية المملكة ، وأنها قادرة على الايذاء إذا تعرضت للخطر ، وأنها تملك خياراتها ، وبالتالي قرارها ، وأنها لاعب اساسي في ميدان السياسة العالمي بما تملكه من تأثير مادي ، يتمثل في احتياطياتها البترولية الضخمة وعائدات البترودولار ، مع تأثير روحي وكسب عريض ، لوجود الحرمين الشريفين بها ، الأمر الذي أتاح لها فرصة قيادة الدول الإسلامية ، وتوسيع قدرتها علي التأثير والحشد الشعبي الاسلامي ، مع تمددها إعلاميا عبر تملكها للعديد من الوسائل الإعلامية الفاعلة ..

كما أن قرار السعودية المبهم باعتماد اليوان الصيني كعملة تبادل بينها وبين الصين ، والذي بالتأكيد سيُغضب امريكا ، سوف يكون له ارتدادات سياسية واقتصادية عميقة على المستوي الدولي إن تم تنفيذه ، وسوف يقفز باليوان عاليا ويدفع به إلي أن يكون عملة احتياط مستقبلا ، وما يمثله ذلك من تهديد للدولار ، وبالتالي علي سيادة امريكا الاقتصادية وتحكمها في النظام المالي العالمي ، كل هذا مقرونا بالقرار الروسي المميت ، والقاضي بتسديد أوروبا لقيمة مشترياتها من النفط والغاز بالروبل الروسي ، كل هذا عجٌل بتقديم تاريخ تنفيذ الخطة المُعدة للمملكة ، والتي تتمثل في أمرين ..

… احتلال آبار النفط في شرق المملكة
… تقسيمها الي عدة دول ، ربما تصل إلي اربع أو خمس دول مستقلة ، مع إنشاء كيان (فاتيكاني) لإدارة مدينتي مكة والمدينة المقدستين إسلاميا ..

هذا الأمر ليس خيالا ، أو تصورات بلا واقع ، بل خططا جاء ذكرها علي لسان الكثير من المسؤولين الأمريكيين ، في العديد من اللقاءات الإعلامية ، وهي متوفرة علي الارشيف الإعلامي علي شبكة الإنترنت ..

وهو ايضا أمر معروف للسعوديين أنفسهم ، وهم يحاولون تجنب حدوثه ، والدفع به بعيدا عنهم ، أو تأخيره لأبعد فترة ممكنة ، أو لفترة ما بعد *انتهاء القطبية الواحدة ، وبزوغ عالم ثنائي أو متعدد الأقطاب* ، حيث تستطيع السعودية أن تتنفس ، لهذا فهي اليوم تدعم سرا الدب الروسي لاحداث هذا التغيير ، وتدعم الصين لتحقيق التوازن الدولي المطلوب ، وذلك بدعمها المعلن لليوان الصيني ..

كما تنشط داخلياً في امريكا نفسها ، وذلك تارة بشراء المسئولين الأمريكيين ، أو بصفقات الأسلحة الضخمة باسعار تفوق مثيلاتها من الدول الأخرى ، رغم عدم جدواها وكفاءتها القتالية ، إرضاءََ للمجمع الصناعي العسكري ، أو بالتنسيق الأمني العابر للحدود مع الوكالات الأمنية الأمريكية ، أو بخلق مصالح دائمة للشركات والمؤسسات الأمريكية العابرة للحدود ، او بدعم وإستئجار العديد من شركات العلاقات العامة ومراكز البحوث وصنع القرار في الغرب لتجميل صورة السعودية في الدول الغربية وإعلامها المتعدد ، أو توظيف محاربة الإرهاب كفزاعة تؤكد أهمية وجود المملكة الموحدة كعنصر فاعل ضامن للاستقرار في المنطقة ، وما حرب اليمن الا أحدي هذه المفاعيل .. والتي حدد لها هدف ظاهر ، وهو قطع يد إيران النابتة في جنوب بلاد العرب ، ممثلة في جماعة الحوثي الشيعية ..

ولكن الواقع الحقيقي يشير إلى عكس ذلك تماما ، فقد كثُر الحديث عن نية امريكا إسقاط الحرس الثوري الايراني عن لائحة الإرهاب الأمريكية وشطبه منها ، وهو الشيئ الذي تعارضه السعودية بشدة ، وتشاطرها اسرائيل في هذا الامر ، لتطابق هواجسهما من تنامي قوة الحرس العسكرية .. وهو أيضا مبعث قلق لدي العديد من دول المنطقة ، خاصة الامارات والبحرين ، والي حد ما مصر ، وهو الأمر الذي قاد إلي بزوغ تجمع جديد مناوئ للاتفاق النووي مع ايران ، فكان إجتماع النقب والذي ضم وزراء خارجية أمريكا وإسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب ، والرامي إلي توحيد سياسة هذه الدول وموقفها من إيران ، والذي ربما يتمخض عنه حلف جديد ، ظاهره التصدي للخطر الفارسي ، وباطنه غير مُدرك للعامة ، ولكنه يخدم مصالح المخفيين .. ولكن علي السعودية أن تتحسس أمنيا وسياسياً من هذا الحلف الناشئ مستقبلا ، خاصة بعد أن صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي أن المجتمعين اتفقوا الي تحويله لمنتدي سنوي ، وهذا يعني أن مداولاته وبحوثه المشتركة سوف تكون الموجه الرئيسي لرسم سياسات هذه الدول في المنطقة لاحقاً ..

ومن المؤكد أن الرابح الوحيد من هذا الاجتماع هو اسرائيل ، إذ عمد وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ، علي تجديد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وضمان أمنها وحمايتها ..

ولكن للاسف ما زلنا نري أن الدول العربية مستمرة في أن تري في إسرائيل دولة يمكن الاعتماد عليها ، وأنها تملك التأثير الكافي لتغيير سياسة امريكا والانصياع لرغباتها ، علما بأن الحرب الروسية الأطلسية ، قد أبانت تماما الحجم المتقزم الذي تمثله اسرائيل كعضو يسعي أن يكون فاعلا في المحيط الدولي ، واوضحت أنه عندما يتصارع الكبار فعلي الصغار أن يختبئوا ..

إن السياسة لا دين لها ، ولها عدة وجوه ، لهذا فإن ما رشح من بنود يحويها الاتفاق النووي مع ايران ( وهي مقصودة لاستمرار الخوف الخليجي وبالتالي الاستمرار في شراء الأسلحة من الغرب) ، ادخل الرعب في قلوب اسرائيل وحكومات الخليج ، وزاد غضبهم وحنقهم علي بايدن ، ودفعهم إلي القفز فوق الواقع الماثل ، والاتجاه شرقا ، خاصة السعودية ، وهو ما إعتبرته امريكا خطأََ لا يغتفر .. وأمراََ يستدعي المساءلة والتصعيد الصامت ضدها ، وارسال رسالة تحذيرية مغلفة بعناية ومجهولة الفحوي للعامة ، وذلك الي أميرها الحداثي ، فكانت الهجمات الأخيرة التي تبناها الحوثي .. وفحواها أننا هنا ، وأننا قادرون على خلع نظام آل سعود الي الأبد ..

واري أن اكبر اللكمات التي تلقاها النظام السعودي ، في إعادة ترتيب البيت الخليجي ،، هو القرار الأمريكي الخاص بتصعيد قطر الي مستوي الحليف الاستراتيجي لأمريكا ، والذي تبدي في مراسم الإستقبال الفخيم الذي حُظي به الأمير القطري في البيت الأبيض ، لتحل قطر محل السعودية في قائمة الأفضلية والصداقة الأمريكية ..

وهذا القرار له تفسيران ، اذ يعني ضمنيا انزال العلاقات السعودية مع امريكا واهميتها إلي درجة أقل
Relations Demotion ، والتعامل علي هذا الأساس ..

والمعنى الآخر الذي يحمله هذا القرار أيضا يتبدي في نتائجه الاستراتيجية ، إذ أنه يتيح لأمريكا التحرك بحرية في سماء وارض قطر ، وحشد قواتها بالاعداد المطلوبة ، انتظارا للخطوة الحاسمة لتغيير العديد من الأنظمة وفقا للخارطة الجيوسياسية الجديدة ، أو الاستعداد للاستيلاء على مناطق البترول وفقا لخطة 1973 والمعتدلة حديثاً ، تلك المناطق التي لا تبعد عن قطر إلا كيلومترات قليلة ، وهو الأمر الذي تتوجس منه السعودية بشدة ، وتدرك مخاطره .. خاصة إذا عرفنا أن قطر بها اكبر قاعدة أمريكية في الخليج، وهي قاعدة العيديد ، والتي أنشئت وفقا للاتفاقية الدفاعية الموقعة بين البلدين في 1992 ..

والخطط الأمريكية لاحتلال مناطق البترول قديمة ، وترجع الي سبعينيات القرن الماضي ، بُعيد حرب اكتوبر 1973 ، عندما قام ملك السعودية الراحل فيصل بن عبد العزيز باستعمال النفط كسلاح مناصر للقضايا العربية وقضية فلسطين تحديدا ..

ففي 19 اكتوبر 1973 ، إتخذت السعودية قرارا تاريخيا بحظر تصدير النفط إلي الدول المناصرة لإسرائيل وعلى رأسها امريكا ، وقطعت إمدادات النفط عنها ، ولاحقا هدد الملك بتفجير حقول النفط إذا حاولت امريكا احتلالها ، ( وهو القرار الذي ادي لاحقاً الي إغتياله) ..

إن السعودية اليوم في معضلة كبري ، حتي أنها صارت لا تثق في أخلص حلفائها ، فعلاقاتها مضطربة مع مصر وبعض دول المغرب العربي ، ويشوبها الفتور والريبة مع حليفتها الامارات ، والعداء المكتوم مع قطر ، ومقطوعة مع إيران وسوريا ولبنان ، وتُواجه بعداء جارف في العراق وفلسطين ، وتخوض حرباً دامية في اليمن ، وباردة مع السودان والأردن ، ومضطربة مع الكويت بسبب حقول النفط والغاز المتنازع عليها في مناطق الدرة والوفرة ، وحذرة مع عمان ، ومتوترة مع تركيا ..
هذا يعني أن المملكة بدأت تفقد محيطها الإقليمي، وحاضنتها العربية ، وامتدادها الاسلامي ، لهذا فهي تحتاج إلي جراحات عاجلة في جسد علاقاتها الخارجية ، حتي تستطيع صد المخاطر عليها من موقف قوي مدعوم عربيا وإسلاميا ..

وعند تأمل الظروف والأحداث التي تعيشها المملكة اليوم ، ما شككت لحظة في أن الدائرة المحيطة بولي العهد محمد بن سلمان ، بها من يعمل ضده وضد المملكة ، الا فكيف تفسر قيام السلطات السعودية بتنفيذ حكم الاعدام في هذا التوقيت السيئ في حق حوالي ثمانين شخصا ، بعضهم اطفال قُصٌر ، وبعضهم كل جريرته انه معارض سياسي ، وجريمته لا تصل عقوبتها الي السجن يوما واحداً ، بحكم انها ممارسة إنسانية لحق دستوري في التعبير عن رأيه السياسي ..

إن من أصدر هذه الأحكام قصد بها ، الإضرار بالمملكة وسمعتها ، وصورتها الدولية وسمعة قادتها ، لانه كان مُدركا للتوظيف السياسي لها في الغرب المعادي للمملكة حاليا ، وأنها سوف تكون وسيلة أخري لفتح باب حقوق الإنسان والمواطنة في المملكة من منطلق مقولة (كلمة حق أريد بها باطل ) ، وسوف يتم استدعاء قضية خاشقجي وبعثها مرة أخري ، كما سيتم استخدامها بصورة تضر بالمملكة وحكامها ، فقد سبق للمملكة واميرها أن مروا بهذه التجربة من قبل ، إذ تم توظيفها سياسيا ، وكانت وسيلة ابتزاز لارغام بن سلمان على توقيع عقود توريد سلاح بمئات المليارات من الدولارات ، وهو ذات السلاح الذي فشل في التصدي للهجمات الأخيرة ..

وهم ذات البطانة التي زيٌنت للأمير التدخل في اليمن في حرب مدمرة للبلدين ، وهي حرب عانت منها السعودية كثيرا وسوف تعاني منها مستقبلا ، بعد أن انتقلت وتوالت افرازاتها إلي أن اصبحت تهديدا مباشرا للعمق السعودي جغرافيا ، دعك عن افرازاتها الإجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وبعد أن صارت صواريخ الحوثيين تصل إلى الرياض وتهدد قصر اليمامة ، وتدمر منشآت النفط شرقا وغربا ..
إضافة لإضرارها بالاقتصاد السعودي ، وتأخيرها تنفيذ خطة عشرين ثلاثين الرامية الي النهوض بالمملكة إقتصاديا وحضاريا واجتماعيا ..

ولولا حرب اوكرانيا الأخيرة التي أدت إلى ارتفاع أسعار البترول فوق المائة دولار ، لدخل الاقتصاد السعودي في سبات طويل ، وولج نفقا مظلما ، ولعرفت المملكة طريق الاستدانة من المؤسسات المالية الدولية ، ولأضعف ذلك نفوذها السياسي عالميا وإقليميا ، ذلك النفوذ المرتكز علي قوتها الاقتصادية ودعوماتها المالية ..

هذا إضافة إلي سوالب انعكاسات الانهاك المالي الناتج عن الإنفاق العسكري المتعاظم على حرب اليمن ، تلك التي وصفها وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي بالعبثية ، فقام دعاة الفتنة بتأجيج نيران الفرقة بين السعودية ولبنان ، ووصل الأمر إلى القطيعة الكاملة بين البلدين ، وإجبار الوزير على الاستقالة ..

وعندها ضاعت الحقيقة ، مع إدراكي أنها وظفت سياسيا ولكن بغباء ، للنيل من حزب الله اللبناني ورئيسه حسن نصرالله ..

لهذا وفي ظل وجود تهديد غربي وخطط أمريكية جاهزة لاحتلال مناطق النفط منذ حوالي خمسين عاما ، يدلل عليها تلك الأساطيل المحتشدة في بحر العرب ، والبحر الأحمر ، والخليج العربي ، والقوات البرية الأمريكية للمنطقة العسكرية الوسطي ، والانتشار الكثيف للقوات الأمريكية في قطر والبحرين والكويت وغرب السعودية ، والامارات ، والعراق .. امتدادا إلي سوريا وتركيا ، وفي ظل عالم مضطرب يُعاد تشكيله وفقا لمعطيات ثقافة القوة ، فإن المخاطر تزداد يوما بعد يوم ، بل ساعة تلو ساعة ..

إن تنفيذ الخطة الأمريكية لاحتلال مناطق البترول السعودية مرتبط بعاملين رئيسيين ..

أول هذين العاملين هو ، ارتدادات حرب اوكرانيا علي الفضاء السياسي والاقتصادي الدولي ، خاصة افرازات حزم العقوبات المفروضة علي روسيا ، وعقوبات روسيا المضادة ، وتأثيراتهما السالبة علي امريكا وأوروبا ، وتخطي ذلك الي التأثير الابعد علي حلف الناتو ووحدته ، وسوف يتم كل ذلك ..

… بعد إنقشاع المظهر الوحدوي الاوربي الكاذب المتبدئ الان ، والذي يُلبِسه الإعلام العاهر ، لونا واحدا ، ويلقيه علي الجسد الأوروبي .

… وبعد تبدد غشاوة الخديعة الكبري ، وتسرب نتائج وآثار العقوبات السالبة على المواطن الاوربي وجسده المنهك ، المعطوب اصلا بمخلفات الكورونا ، والأزمات الاقتصادية الحالية واللاحقة ..

… وبعد زوال تأثير الإعلام المُضلل الكذوب علي العقل الأوروبي ، وبداية استيعاب هذا العقل للحدث ، ولحجم الخديعة الأمريكية لأوروبا ، ومدي الأضرار التي لحقت بمجتمعاتهم ، وإدراكه أنهم يقتطعون من أقواتهم لتمويل حرب امريكا علي روسيا .

… وبعد تبينهم لمخاطر السلاح النووي المنصوب علي رؤوسهم .. ومآلات الحرب الاقتصادية ، والعطش النفطي الذي يمكن أن ينتج عنها ، وما يستتبع ذلك من سعي محموم للسيطرة على منابعه ، واحتمال أن يدفع ذلك ، العالم إلي حرب عالمية سوف تكون أوروبا أول ضحاياها ..

… وبعد ظهور الأمراض الاجتماعية الكامنة المصاحبة للجوء ، مثل تفشي الجريمة ، وانتشار القومية المتعصبة ، وصعود الفاشية المتطرفة ، اي الآثار الاجتماعية والسياسية لموجات اللجوء والنزوح الحالية ، والتي سوف تأخذ طابع الموجات البشرية إذا استمرت الحرب أو شملت بلدانا أخري ، والنتيجة المرعبة أنها ستعمل على إحداث تغييرات ديموغرافية وثقافية عميقة علي بعض المجتمعات الأوربية ..

العامل الثاني ، هو تحرك الصين المتوقع وغزوها لتايوان وضمها للبر الصيني ، وما يستتبع ذلك من مواجهة تعمل امريكا علي تجنبها ، لأنها خاسرة بالنسبة لها ، الأمر الذي يستدعي منها البحث عن بدائل أخرى لمواجهة التنين الصيني ، وأعتقد أن لا شئ أكثر إضرارا بالصين غير قطع البترول عنها ، ولا يتم ذلك إلا بوضع امريكا يدها علي منابع البترول في الخليج العربي .. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية للوجود الأمريكي المكثف في الخليج وفي بحر الصين الجنوبي ، وهذا الأخير يوجد فيه ثلثا القوي البحرية الأمريكية ..

لهذا علي المملكة التحرك السريع لتفادي هذا السيناريو الجهنمي ، وهي الوحيدة القادرة علي وقفه ..

لهذا فإن ما تحتاجه المملكة للتصدي لهذا التهديد هو ..

اولا ..تبني مشروع الوحدة الداخلية لمكوناتها العرقية والمذهبية ، اي تبني مشروع جامع يطيح بالمذهب من أجل دولة المواطنة ، خاصة وأن الامير بن سلمان شخص منفتح فكريا ومذهبيا وله رؤية حداثية متجاوزة للتعنصر والانغلاق ..

ثانيا ، الإيقاف الفوري لحرب اليمن ، لأنه سوف يزيح التهديد الإيراني بالكلية من جنوبها ، كما سوف يقلل من فرص ايذائها عسكريا من أي جهة كانت ، لانتفاء اسباب هذا التهديد ..
أيضا سيزيح عن كاهلها تكاليف باهظة تتحملها لإدارة الحرب عملياتيا ، أو مصروفات تأمين الحدود ، أو شراء الولاءات ، أو الصرف على العمل المخابراتي أو الاعلامي أو خلافه ..

ثالثا ، تغيير استراتيجية التعامل مع إيران ، وازاحة منهج التعاطي السياسي الحالي ، وشكل العلاقات القائمة على المذهب ، وإستبدالها بالعلاقات القائمة علي المصالح ، ضمن إطار الدين الواحد ، وعزل كل الأصوات الساعية إلى إحداث الفتنة بين البلدين .. اي التطبيع الكامل بينها وبين إيران من منطلق التكامل والتعاون ، بحكم أنهما اكبر بلدين يطلان على الخليج ، يجمعهما التاريخ والدين والمصالح المشتركة ..

ثالثا .. الإطلاق المتدرج للحريات السياسية ، وعصرنة الدولة ، لأن هذا الأمر سوف يعزز اللحمة الداخلية لمكوناتها ، ويخفف الضغوط عليها ، مما يؤدي إلي سد الباب أمام أي متطاول أو طامع خارجي ..
رابعا … السعي لاصلاح علاقاتها الممتدة تاريخيا وحضاريا بمحيطها الإقليمي ، وامتدادها العربي ، وفضائها الاسلامي ..

واخيرا إن حداثية وانفتاحية بن سلمان ، ورؤاه الاقتصادية الثاقبة ، وخطواته المندفعة نحو تحديث المملكة والانطلاق بها نحو ذري المجد ، قطعا تحتاج إلي مزاوجتها بحكمة الشيوخ وتجارب المعتقين من الحكماء الذين تذخر بهم أرض المملكة ..

إن الأمور قد لا تكون مُدركة لدي العديد من الناس ، ولكن بالتأكيد أن القراءات المتعمقة ، تقود إلي نتائج غير متوقعة وغير مرئية ..

*حيدر التوم خليفة*

الخرطوم في ..
30/ مارس 2022

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق