رأي

احمد الجبراوي يكتب: _ثم ماذا بعد رمضان؟

*_ثم ماذا بعد رمضان؟_*
جمع وترتيب:
_أحمد حامد الجبراوى_

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
هاهو الضيف الكريم والذي حلّ عزيزا غاليا عظيم الأجر جميل الذكر يغادرنا تودعه القلوب والدموع والجموع فطوبى لمن أحسن ضيافته وكان فيه من المقبولين، ويا خسارة من ضيعه وأمسى من المحرومين
ولما كان رمضان يمثل مدرسة لإعداد النفوس ، وتهيئة القلوب كان لابد من طلب استدامة ذلك بعد مضى أيامه وتصرّمها لأنّ من استفاد من رمضان واغترف من نهره الجاري وتجول في بستانه يكون حاله بعد رمضان أفضل منه قبله، يقول ابن الجوزي عن رمضان: (شهرٌ جعله الله تعالى مصباح العام، وواسطة النظام وأشرف قواعد الإسلام، المشرف بنور الصلاة والصيام والقيام) كتاب بستان الواعظين
ولذلك لابدّ من وقفات للتأمل والمدارسة والتزود وذلك كالتالي:-
*
١/ رمضان والحرب:
جاء رمضان هذا العام امتدادا لايام عصيبة شهدتها بلادنا من حرب وجودية استهدفت قيم وماضي وحاضر ومستقبل وموارد ومقدرات شعبنا السوداني الكريم وتكلل ذلك الصبر ببشريات الإنتصار في نهاياته المباركة
و يعتبر ما سبق درس مهم في البلاء وامتحان الايمان وابراز تعظيم الله ولطفه بعباده وهي دروس إيجابية ينبغى أن نجتهد دوما فى استصحابها سيما ما يقابل امتنا من تحديات مابعد الحرب وما تستهدف به في قيمها وثوابتها وتغيرات اقتصادية كبيرة ستجتاح العالم عما قريب وغاشيات تنتاش الاخلاق والأسر وامتنا قادرة بإذن الكريم على تجاوز ذلك أن احسنت توظيف ما عندها من الثوابت والقيم وما لديها من ثراء مقاصدى يستوعب التعامل مع تلك المتغيرات.
*٢/علامات القبول:*
أهمية النظر لعلامات قبول العمل والتى من أهمها أن يوفّق العبد لأعمال صالحة بعدها والاستقامة على الخير، وظهور أثر العمل على سلوك العبد وإخلاص القلب وعمل الجوارح، فليكن رمضان نقطة انطلاق ومنبع للخيرات، وليكون ما بعده امتداد ونتيجة للتنافس في الصالحات.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كونوا لقبول العمل أشدّ هما منكم بالعمل, ألم تسمعوا الله عز وجل يقول ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين ) (راجع:الإخلاص والنية لابن أبي الدنيا)
قال عبد العزيز بن أبي رواد: “أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمّ أيقبل منهم أم لا” (لطائف المعارف )
*٣/ تنوع أحوال العباد:*
تتنوع احوال المسلمين بعد رمضان لأصناف، فمنهم الموفق والسعيد المستمر على طاعة الله ومنهم من لم يكن لرمضان أي أثر أو بصمة في حياتهم وسلوكهم، حتى صار صيامه عادة وصلاته روتين، بل بعضهم عياذا بالله يكون عليه رمضان ثقيلا جدا يتمنى انقضاءه ليعيث في الأرض فسادا، ويرجع أسيرا لشهواته وملذاته وشياطين الأنس والجن فالانتكاس داء خطير ومرض عضال، فإياك أن يصل فتورك بعد رمضان حد الانتكاس والتقهقر واقتراف الخطايا والآثام، قال ابن القيم: ( فالكاذب ينقلب على عقبيه ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله ويلقى نفسه بالباب طريحا ذليلا مسكينا مستكينا) مدارج السالكين و قال يحيى بن معاذ رحمه الله: (عملٌ كالسراب، وقلبٌ من التقوى خراب، وذنوبٌ بعدد الرمل والتراب، ثُمَّ نطمعُ فِي الكواعب الأتراب، هيهات أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك).[تاريخ بغداد للخطيب البغدادى]
٤ */ المداومة علي الصالحات:*
يجب أن يعلم المسلم كيفية المداومة على العمل الصالح؟ فانه لما كان للنفوس إقبال وإدبار بحسب الزمان والمكان والحال؛ ينبغي أن نحافظ عليها حال الروحانية ونتعهدها تقويما وتثبيتا ساعة الركود والفتور، وإياك أن تكون من عبّاد رمضان، فالله رب رمضان وشوال وسائر الشهور، وليكن شعارك المداومة على الأعمال الصالحة بمواسم الخيرات وبعدها إلى أن تلقى الله عز وجل، يقول عليه الصلاة والسلام( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعمَلَهُ، قِيلَ: وما يَستعمِلُهُ؟ قال: يفتَحُ لهُ عملًا صالحًا بين يدَيْ موتِه حتى يرضَى عليه مَنْ حَوْلَهُ ).[صحيح الجامع]
*ومما يعين على المداومة على العمل الصالح بعد رمضان:*
أ/إخلاص العبادة لله إذ هو طريق الدوام فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل كما قال بعض السلف
ب/ الإكثار من مجالسة الأخيار وصحبتهم، والتعرف على سير الصالحين، والحرص على مجالس الذكر، فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة.
ج/ المواظبة على أداء الفرائض الخمس بأوقاتها في المسجد، والمداومة على قراءة ورد قرآني يومي مع تدبر الآيات ومعرفة المعاني، والإكثار من ذكر الله عز وجل.
د/ طلب العون من الله والاستعانة به وحسن الالتجاء إليه، وكثرة الدعاء بالثبات.
ه/الابتعاد عن مفسدات القلب من الصحبة والسماع والنظر المجرمين وآفات اللسان منو كذب وغيبة ومجالس اللغو، والخوض في الباطل وضياع الأوقات .
و/ المداومة علي القليل:
فعندما سئل عليه الصلاة والسلام( أيُّ العملِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: أدْومُه وإن قَلَّ ).[مسلم] قال عز وجل( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )[ااحجر٩٩]،
٥ */رمضان مركز الاعمال:*
يجب أن نتامل حال السلف مع رمضان فقد جعلوه مركزا لأعمال السنة طلبا لادراكه ودعاء لقبوله
فكانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان! ثم يدعون فيما تبقى بأن يتقبل منهم فالعام كله تفكير واهتمام في رمضان وما يتعلق به، إما استقبالا واستثمارا لأوقاته، وإما الدعاء والابتهال بأن يتقبل منهم، وهذا ناتج عن فقه عميق بحقيقة الصيام وشهر الخير والإنعام. فليكن رمضان مركزا لعبوديتنا تستلهم عبره وفوائده ودروسه وزاده ونتائجه .
٦ */ الموسم الجامع:*
ان نتذكر أن شهر رمضان جمع العديد من أركان الإسلام، وبه مفاتيح السعادة كلها، فهو نقطة انطلاق وبداية الطريق، وفيه مدرسة التوحيد والإيمان..الصبر والتقوى .. الطهور والصدقة.. الشكر والمحبة.. الصدق والإخلاص يقول ابن القيم: (قد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحا يفتح به فجعل مفتاح الصلاة الطهور كما قال مفتاح الصلاة الطهارة ومفتاح الحج الإحرام ومفتاح البر الصدق ومفتاح الجنة التوحيد ومفتاح العلم حسن السؤال حسن الإصغاء ومفتاح النصر والظفر الصبر ومفتاح المزيد الشكر ومفتاح الولاية المحبة) . “حادى الارواح” ولما جمع رمضان كل هذه المعاني، فهو بحق مفتاح وبداية لكل خير يوصل إلى الله فلنتأمل هذه الحقيقة، التي من وفق لها فهو الموفق ومن استثمارها ووظفها فهو السعيد .
٧ */ همم وعزمات* :
المسلمون في رمضان سارعوا للطاعات، وانفقوا الأموال وقرأوا القرآن، نفوسهم مطمئنة وصدورهم منشرحة وقلوبهم مقبلة، همتهم كقمم الجبال، فهل سنتعاهد على ما كنا عليه من خير وإقبال ونحاسب أنفسنا على تقصيرنا؟ أم نصاب بالفتور ونرجع لما كنا عليه قبل رمضان من اللهو وضياع الأوقات والتفريط في العبادات؟! حتى قيل قديما: قدر الرجل على قدر همته، فمن كان عالي الهمة، كان عالي القدر.
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً * تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ
والناس متفاوتون بالهمم، يقول ابن القيم: (وأعلاهم همة وأرفعهم قدرا من لذته في معرفة الله ومحبته، والشوق إلى لقائه والتودد إليه بما يحبه ويرضاه، فلذته في إقباله عليه وعكوف همته عليه، ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله، حتى تنتهي إلى من لذته في أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال والأشغال) [الفوائد ]
. قال تعالى:- ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)نوَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(٩٢) النحل
٨ */ والله المعين:*
وختاما فإن العبد لا حول له ولاقوة وعليه لابد من الاعتماد على “إيّاكَ نَستَعِين” لتحقيق “إيّاكَ نَعبُد” وااموفق من وفقه الله والدخول من تخلت عنه إرادة مولاه فمن اعتصم بالله هدى إلى صراط مستقيم ولا حول ولا قوة الا بالله.
اللهم احسن ختامنا وتقبل قليل عملنا واغفر كثير زللنا يا كريم.

*جمع وترتيب*
أحمد حامد الجبراوى
شوال ١٤٤٦ هـ

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى