تحقيقات وحوارات
القصة الكاملة لإطلاق سراح المدان بمقتل جون مايكل غرانفيل وسائقه السوداني
الخرطوم: سودان بور
أطلقت السلطات السودانية الإثنين سراح مواطنها عبدالرؤوف أبو زيد، الذي كان يواجه عقوبة الإعدام لاتهامه وثلاثة سودانيين بقتل الدبلوماسي الأميركي جون غرانفيل وسائقه السوداني الجنسية عبدالرحمن في أحد شوارع الخرطوم عام 2008 أثناء عودتهما من احتفال رأس السنة الجديدة.
وقال عبدالمالك أبوزيد شقيق المفرج عنه عبدالرؤوف أبو زيد، إنه تلقى في الساعة العاشرة من صباح اليوم الإثنين اتصالاً من إدارة سجن كوبر في الخرطوم بحري، طلبت منه الحضور للسجن لاستلام شقيقه استناداً للقرار الصادر أخيراً من المحكمة العليا بالخرطوم.
وقال في حديث لـ”اندبندنت عربية”، “إخلاء سبيل شقيقي تم بموجب التسوية التي قامت بها حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك مع أسر ضحايا الهجمات الإرهابية لرفع العقوبات الاقتصادية وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب”، لكنهم كأسرة لم يدفعوا أي مبلغ لأسرة الدبلوماسي الأميركي، كما ليس لديهم تفاصيل بهذا الشأن.
وتابع عبدالمالك “لقد استقبل شقيقي هذا العفو بفرحة عارمة، وهو يتمتع بكامل الصحة، وهو يريد أن يتفرغ لرعاية أسرته، زوجته وابنته (17 سنة) وابنه (12 سنة)، بعيداً من الأضواء لأنه عاناها كثيراً في الفترة السابقة. كما أنه تخلى تماماً عن الأفكار المتطرفة، إذ أجرى مراجعات فكرية نبذ فيها التطرف والتشدد بكل أنواعه، ويريد أن يمارس حياته الطبيعية كمواطن عادي من دون الارتباط بأية جماعة أو تنظيم”.
سقوط القصاص
فيما أوضح عادل عبدالغني، محامي الدفاع عن المحكوم بالإعدام عبدالرؤوف أبو زيد، أن “الإفراج عن أبو زيد وإخلاء سبيله تم بناء على الاتفاق الموقع بين حكومة السودان والحكومة الأميركية في شأن تعويضات القضايا المتعلقة بالإرهاب، واعتبرت المحكمة استناداً إلى ذلك الاتفاق، أن أموال التعويضات دفعت لكل أسر الضحايا بما فيهم عائلة الدبلوماسي الأميركي (غرانفيل) الذي قتل، مما يعني سقوط القصاص كحق خاص. وفي ما يخص الحق العام، قررت الاكتفاء بعدد السنوات التي أمضاها المتهم في السجن وهي نحو 15 عاماً”.
وأشار عبدالغني إلى أن والد الضحية الثاني عبدالرحمن عباس، السائق السوداني، كان قد تنازل أمام المحكمة وعفا عن المدانين في حق ابنه.
أما بقية المدانين الثلاثة الآخرين، فقد قتل اثنان منهما في الصومال، فيما لا يزال الثالث متخفياً مع إحدى الحركات المتطرفة، وذلك بعد تمكن المتهمين من الهرب من السجن وإعادة القبض على المدان عبدالرؤوف وحده من دون البقية.
دلالات ومغازي
وأضاف محامي المتهم، أن والدة المجني عليه (غرانفيل) كانت قد بعثت بخطاب أكدت فيه عدم إيمانها بعقوبة الإعدام، بقدر إيمانها بالعدالة، وألمحت إلى عدم ممانعتها من العفو عن المتهمين إذا التزموا واعتذروا للشعبين الأميركي والسوداني، وأقروا بخطئهم عند ارتكاب الجريمة، لاسيما وأن المدان قد أعلن أنه ثاب إلى رشده بعد المراجعة وأقر بأن ما قام به كان أمراً خاطئاً.
ونوه عبدالغني إلى أن الحكم كان له دلالات عدة، أبرزها “تأكيد نزاهة وعدالة القضاء السوداني في إصداره حكماً مثل ذلك الحكم العادل، على رغم أننا كنا نمثل الدفاع عن المتهم، وأن السودان وقتها كان مصنفاً من الدول الراعية للإرهاب”.
ومضى قائلاً “من الدلالات الأخرى للقضية، هو عدم التدخل الرسمي من أية جهة أميركية في هذه القضية باستثناء المتابعات الطبيعية من سفارتها في الخرطوم في سياق مهماتها والتزاماتها تجاه رعاياها، فضلاً عن خطاب والدة الضحية الذي أكدت فيه انتماءها لمجتمع متحضر يؤمن بالإنسانية، الذي شكل رسالة تسامح إنسانية فيها كثير من العظات”.
ولفت محامي الدفاع إلى أن “مجموعة الشباب الذين ارتكبوا هذه الجريمة، كانوا صغاراً في السن (21 سنة)، وعلى رغم أن المتهم عبدالرؤوف كان في سن المسؤولية الجنائية، لكنه لم يكن ناضجاً فكرياً، بدليل إقراره بخطئه وعودته إلى رشده بعد مراجعة فكرية”.
هروب من السجن
وأصدرت إحدى محاكم الخرطوم حكماً بإعدام عبدالرؤوف أبو زيد، ومحمد مكاوي، وعبدالباسط الحاج، ومهند عثمان، بعد إدانتهم بقتل غرانفيل ليلة رأس السنة 2008، لكن بقية المدانين هربوا من السجن في عملية نوعية قبل أن يلقى مهند ومكاوي مصرعهما في وقت لاحق.
وهزت حادثة اغتيال الدبلوماسي الأميركي، جون مايكل غرانفيل، الخرطوم وتأثرت بها العلاقات السودانية – الأميركية كثيراً لسنوات طوال. وكان غرانفيل يبلغ من العمر 33 سنة عندما قتل، وقد شغل منصباً رفيعاً في وكالة التنمية الدولية الأميركية – USAID.
وقد أطلق الجناة النار على السيارة التي تقل غرانفيل من جهتها الجنوبية، فيما كانت تسير في شارع عبدالله الطيب بالخرطوم، وأسفرت الحادثة عن إصابة الدبلوماسي الأميركي بخمس إصابات طاولت اليد والكتف الشمالي والبطن. وتم إسعافه في إحدى المستشفيات، وأجريت له جراحة توفي بعدها ببضع ساعات، إذ كانت حاله حرجة للغاية نتيجة الإصابات الخطرة التي تلقاها.