ياسر الفادني يكتب في من اعلى المنصة: الفشقة..تتكلم بلغة الجغرافيا والسيادة

من أعلي المنصة
ياسر الفادني
الفشقة..تتكلم بلغة الجغرافيا والسيادة
في قلب خارطة الصراع في القرن الإفريقي، تقف الفشقة لا كأرض متنازع عليها، بل كعقدة إستراتيجية تُربك العقول وتعيد تشكيل ميزان القوى، لطالما كانت هذه البقعة الخصبة على الحدود السودانية الإثيوبية موضع أطماع وصدامات موسمية، لكنها اليوم صارت نقطة إرتكاز عسكري وسياسي لها ما بعدها
فمن الناحية الجيوعسكرية، تمثل الفشقة موقعاً مثالياً لأي قوة ترغب في السيطرة على المعابر الشرقية والجنوبية للقرن الإفريقي، تضاريسها الصعبة، وامتدادها الطبيعي باتجاه العمق الإثيوبي، يجعلها منصة مثالية لأي تحرك عسكري أو دعم لوجستي في حال تفجّر صراع جديد بين الفرقاء في أديس أبابا، سواء ضد جبهة تيغراي أو إريتريا
أهمية الفشقة لا تقتصر على الموقع فقط، بل تتجاوز ذلك إلى كونها أصبحت ورقة سيادية بيد السودان، وورقة ضغط صامتة توظّف في الوقت المناسب لإعادة ضبط الإيقاع الإقليمي المختل، الأطراف التي كانت تتعامل مع السودان كمنطقة عبور أو كيان محايد بدأت تدرك أن الفشقة ليست للمساومة، بل للتموضع، وأن ما جرى خلال السنوات الماضية من استردادها بالقوة أعاد ترتيب أولويات الخرائط
اليوم، تشعر إثيوبيا بحرج استراتيجي متزايد: الفشقة تحولت من خاصرة رخوة إلى جبهة مستقلة، تحرّك المواقف وتحدد مسار التحالفات، فالخشية الحقيقية في أديس أبابا ليست من فقدان الأراضي الزراعية، بل من أن تتحول الفشقة إلى منصة دعم عسكري محوري في أي صراع إقليمي قادم، وهذا ما يفسر محاولات إثيوبيا المستميتة لتطويق هذه المنطقة دبلوماسياً، أو تحييدها عسكرياً، رغم استحالة ذلك ميدانياً
أما السودان، فقد أدرك جيدًا أن التحكم في الفشقة لا يمنحه فقط السيادة على ترابه، بل يمنحه القدرة على المناورة في عمق التحالفات، وعزل خصومه من منابع القوة والدعم، فالسيطرة على هذه المنطقة لا تعني فقط إسكات بندقية إثيوبية، بل تعني وضع اليد على المفتاح الجغرافي لتحولات الإقليم
لم تعد الفشقة هامشًا حدوديًا، بل صارت ورقة إقليمية فاعلة، من يتقن قراءتها سيكسب الجولة المقبلة في صراع النفوذ في شرق أفريقيا، ومن يستهين بها سيكتشف أن الهزيمة لا تبدأ من المعارك الكبرى، بل من تجاهل البقع الصغيرة ذات التأثير العظيم
إني من منصتي أنظر …حيث أرى…. إن من يقترب من الفشقة بعقلية التوسع أو الابتزاز، سيفاجأ بأنها أصبحت عصية على الابتلاع، وشاهدة على تحول السودان من مفعول به إلى فاعل إقليمي، الفشقة اليوم، ليست فقط ملكًا لأرضها، بل ملكًا لمن يحسن توظيفها في معركة الوعي والسيادة.