تحقيقات وحوارات

“معركة استنزاف العقول” محتوى خطبة الجمعة للشيخ احمد الجبراوي

بسم الله الرحمن الرحيم
*خطبة الجمعة*
بمسجد الحديقة ببورتسودان
١٦ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ ٢٠٢٥/١١/٧م
*معركة استنزاف العقول*
احمد الجبراوي
*محتوى الخطبة:*
دعت الخطبة إلى أهمية تغليظ العقوبة على الجرائم التي تستهدف العقل باعتباره الجوهرة المهمة وتعزيز التحالف المجتمعي لمكافحة مغيبات العقل وفرض هيبة الدولة وذلك في خطبة الجمعة اليوم ١٦ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ الموافق ٢٠٢٥/١١/٧م بمسجد الحديقة بمدينة بورتسودان حيث اكتظبت جنبات المسجد الداخلية والخارجية وأوضحت الخطبة أن معركة استنزاف العقل هي معركة لا تقلّ خطورة عن الحرب بالسلاح لأنّها تهدف إلى إضعاف القدرات الذهنية والمعنوية للمواطن من خلال نشر مغيبات العقل أو التلاعب بالمعلومات وإثارة الشكوك والاضطرابات والاشاعات واعلام التفاهة وهو يندرج تحت مفهوم “حرب الاستنزاف” الأوسع التي ترتكز على إرهاق الخصم بشريًا وماديًا. وهو مفهوم يستخدم بشكل واسع في الصراعات قديما وحديثا خاصة في ظل الاستخدام المكثف لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وتعتمد هذه الحرب على استراتيجية إضعاف العقل واستلابه واضعاف قدرته على الاختيار والتفكير المنطقي والعمل والعطاء وبثّ الارتباك وعدم اليقين وتدمير الثقة والمصداقية كما انها تستهدف الإلهاء بالتوافه والقضايا الثانوية والانصرافية.
ومن ابرز آليات هذه الحرب:
١/ الذنوب والمعاصي مطلقا
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “إن للحسنة لنورا في القلب وضياء في الوجه، وسعة في الرزق وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة لسوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن ونقصا في الرزق، وبغضا في قلوب الخلق”. وعليه فهي تضعف العقل وتوهنه ولابد.
قال قال الحسن البصري : إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين ، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه قال ابن القيم رحمه الله : “المعاصي تفسد العقل فإن للعقل نورا والمعصية تطفئ نور العقل ولابد وإذا طفئ نوره ضعف ونقص فعموم المعاصي تضعف العقل سيما أخطرها وهو الشرك بالله لأنه اضعاف للتصورات والمفاهيم والاختيارات .
٢/سلاح الشائعات:
قال تعالى: “لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا” ٦٠ الأحزاب تستنزف الشائعات العقول عن طريق نشر معلومات زائفة بسرعة، مما يثير الخوف والارتباك ويؤثر على إدراك الواقع، وذلك من الغرف الإعلامية والخوارزميات التي تعتمد على نشر محتوى سريع وجذاب وتنتشر الشائعات بسرعة في المجتمع، خاصة مع تطور وسائل التواصل وتساهم في إضعاف القدرة على التفكير والتلاعب بالعقول و تُستخدم كأداة في الحروب النفسية و الدعاية السوداء للتلاعب بمشاعر الجماهير وخوفهم وإدراكهم للأحداث و بثّ الكذب والتلفيق وتدمير السلام الاجتماعي واحداث الفوضى والعنف والوقيعة بين الناس، ممّا يعرّض المصالح العامة والخاصة للخطر وتستنزف العقول و تستهلك طاقة الأفراد في التحقق من المعلومات وتساهم في تفككهم وتشتت أفكارهم وتزرع الشّكّ والرّيبة وتُضعف الثّقة في المؤسسات وتُشجّع على عدم تصديق الأخبار الصحيحة، حتى عند التحقّق منها .
وتتم مواجهة الشائعات بتعزيز اليقين قال تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ” ٢٤ السجدة
والتحقق من المصادر لا تصدق أي شيء تسمعه دون التأكد من مصدره ومصداقيته قال تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”٦ الحجرات مواجهة الشائعات بالحقائق: يجب نشر المعلومات الصحيحة وتفنيد الشائعات فور ظهورها.
تنمية الوازع الديني والأخلاقي تحد من انتشار الشائعات ويساعد على عدم ترديدها تفعيل الرقابة القانونية: فرض عقوبات قانونية على مروجي الشائعات و التشريعات التي تُجرّمهم خاصة ايام الحروب والأزمات.
*٣/حرب المخدرات:*
إن أخطر حرب تستنزف العقول هي نشر وترويج وادمان المخدرات لأنها تستهدف مكامن قوة الأمة وهي الشباب وإنّ ملفّ المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد في الفترة ما بين 2019 وحتى 2023 وذلك بسبب الهشاشة الأمنية وحالة الحرب ممّا فاقم من أمرها خاصة وأنّ السودان دولة ممر ومقر وانتاج لكثير مما يستهلك وتزداد الخطورة حينما لا توجد المستشفيات النفسية ومراكز التاهيل للمدمنين في السودان وتقول بعض الإحصائيات الرسمية ان عدد حالات الإدمان التي تم استقبالها في مراكز العلاج خلال عام 2022 فقط بلغ حوالي 13,000 حالة — وهو رقم مفزع بكل المقاييس و الأخطر من الأرقام هو الفئات المستهدفة: شباب في مقتبل العمر ونساء، تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 24 سنة، أي قلب المجتمع ومستقبله.يعاني السودان من مشكلة متنامية في تعاطي المخدرات والاتجار بها، مما يشكل تهديداً كبيراً على المجتمع والأمن القومي. وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب الحرب المستعرةو الفقر والحاجة والنزوح والاضطرابات السياسية، والفساد. وللاسف فقد شهد العقد الأخير ارتفاعاً كبيراً في تعاطي المؤثرات العقلية، وخاصة بين الشباب وطلاب الجامعات. يتم تهريب هذه الأدوية الموصوفة طبياً وبيعها بشكل غير قانوني، ويُعتقد أن السودان تحوّل من مجرد نقطة عبور إلى مركز تصنيع لهذه الحبوب وخطورة المخدرات إبّان الحرب تحتاج إلى إجراء تعديل عاجل في قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1994 بمضاعفة العقوبات وتعميق القيم والوعي واطلاق حملات توعوية لمحاربة تفشي المخدرات بين الشباب تحقيق التعاون الإقليمي و الدولي في المحاربة والمكافحة خاصة فيما يتعلق بمراقبة الحدود.
ولنعلم فداحة الأمر فإنه قد تم ضبط 424 كيلوجرام من المخدرات بإحدى المناطق جنوب مدينة بورتسودان خلال شهر حزيران/يونيو الماضي “تم ضبط 297 كيلو من مادة الآيس المخدرة و64 كيلو كوكايين و2 كيلو حشيش و4 كيلو هيروين”.
وكشفت عن وجود 43 جزيرة في البحر الأحمر يتم عبرها تهريب المخدرات إلى البلاد هذه نماذج مما ضبط فكيف بماولم يضبط!!
*٤/ إعلام التفاهة :*
وهو من اخطر الاسلحة في استنزاف العقول اذ أنه ظاهرة إعلامية وثقافية تنتجها منظومة ترفع المعايير المنخفضة والسطحية على حساب الجودة والعمق، مما يؤدي إلى إلهاء الجمهور عن القضايا الهامة وتغييب قدرته على التفكير السليم ويعتمد الاعلام التافه على تحويل الإعلام إلى أداة لتصنيع محتوى تافه، وتقديم شخصيات سطحية، والتركيز على الجدل والإثارة بدلًا من القضايا الجادة والمحتوى القيمي وتستخدم استراتيجيات التأثير على الجمهور، مثل الهجوم الشخصي، تزييف الحقائق، والتشكيك والعنصرية والفساد وعرض الجسد بتسليعه وذلك بغية تشكيل العقول وإحكام السيطرة عليها واضعاف الوازع ونشر الرذيلة واستبعاد القيم الأخلاقية والتقليل من شأن الكفاءات وسحبهم المشهد العام لعدم قدرتهم على العمل في بيئة يسيطر عليها الفساد ويعزيز اعلام التفاهة التفكير السطحي، ويضعف القدرة على التركيز، تُسهم الخوارزميات التي تعتمد على نشر محتوى سريع وجذاب في إضعاف القدرة على التفكير الجدي والابجابي ويؤدي التمرير اللانهائي للمحتوى إلى إدمان الشاشات، مما يقلل من القدرة على التركيز في المهام الحقيقية ويُضعف سعة الذاكرة العاملة وتعتمد الخوارزميات على تحفيز إفراز الدوبامين المرتبط بالشعور بالرضا، مما يخلق سلوكيات قهرية تدفع المستخدمين لإدمان المنصات.
ويؤثر الإعلام التافه على استنزاف العقول من خلال تشكيل تصورات نمطية واستهلاكية.
*سبل المواجهة:*
١/تعزيز العقيدة والتوحيد في النفوس فما خلقنا اللهوالا لغاية نبيلة “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” ٥٦ الذاريات
٢/الاهتمام بالقرآن الكريم حفظا وتعلما ودعوة
٣/تعظيم الرسول صلى الله عليه و سلم والقدوات الصالحة
٤/تعميق اليقين والبصيرة في المجتمع “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ” ٢٤ السجدة
٥/تقوية الرقابة الذاتية قال تعالى: “يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ” ١٦ الحجرات
٦/البعد عن أصدقاء السوء قال تعالى:”الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ” ٦٧ الزخرف
٧/ابتدار التشريعات والقوانين الرادعة
٨/التحالف المجتمعي لمحاربة الجربمة ومدافعة المخدرات ومعالجة المدمنين
٩/حماية المنافذ والموانئ والمعابر
تجنب الإعلام الفاسد والتافه
اللهم نصرك لعبادك المؤمنين ولجيشنا الباسل ..
والحمدلله رب العالمين
احمد الجبراوي
١٦ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ ٢٠٢٥/١١/٧م

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى