بناء الايجابية… كامل محتوى خطبة الجمعة للشيخ احمد الجبراوي

بسم الله الرحمن الرحيم
*خطبة الجمعة*
بمسجد السلام حي المطار بورتسودان ٣٠ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ ٢٠٢٥/١١٢١م
*بناء الايجابية*
احمد الجبراوي
قال تعالى:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” ٧٧ سورة الحج
الايجاببة هي الاستجابة التلقائية لدواعي العطاء والنفع اللازم والمتعدي و الناشِئ عن الوازع الإيماني في قلب العبد مما يدفعه للبذل وفعل الخيرات وتربية النفس ونفع البشر. وقد دلت الآية أعلاه على اطلاق الخير شمولا لكل عطاء وبرٍّ وفتح القران الباب للعطاء على مصاريعه قال تعالى:
“وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ١٤٨ سورة البقرة
وقد حفل القرآن الكريم بذكر الإيجابية والايجابيين حتى من الحيوان كالنمل وااهدهد وغيره قال تعالى: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾٢٠-٢٥ يس
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ ٢٨ غافر
وعن إيجابية هدهد قال تعالى: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾٢٦-٢٧ النمل
وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم يحقق كمال الإيمان والعطاء
فهو أعبد الناس لربهم واكرمهم وأشجعهم وارحمهم بالخلق
قال ابن عمر: “ما رأيت أشجع، ولا أنجَد ولا أجوَد، ولا أرضى من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -” البخاري وقال علي – رضي الله عنه -: “إنَّا كنَّا إذا اشتدَّ البأس واحمرَّت الحدق، اتَّقينا برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتُني يوم بدر ونحن نَلوذ بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وهو أقرَبُنا إلى العدو، وكان مِن أشدِّ الناس يومئذٍ بأسًا” البخاري وقال أنس – رضي الله عنه -: “كان – عليه الصلاة والسلام – أشجَع الناس، وأحسنَ الناس، وأجوَد الناس، لقد فَزِع أهل المَدينة ليلةً، فانطلَق ناسٌ قِبَلَ الصوت، فتلقَّاهم – عليه الصلاة والسلام – راجعًا قد سبَقهم إلى الصَّوت، واستبرأ الخبَر على فرس لأبي طلحة عُرْي والسيف في عُنقِه وهو يقول: ((لن تُراعُوا))”البخاري
*وسائل تحقيق الإيجابية:-*
١/ترسيخ العقيدة إذ انها دافع معزز للعطاء ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧) إبراهيم
٢/استسعار فردية التكليف بمّا أمَر الله به ونهَى عنه وأن المرء يُحاسب فردًا، وأنه ومَن حوله مسؤولون مثله إلا أن القاعدة: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾١٦٤ الأنعام وقوله تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا “١٣_١٤ الإسراء
ف الإحساس بهذه المسؤولية يجعل المسلم يقوم بواجبِه نحو ما أمرَه الله به، وإن كان مِن ضمْن واجبات المسلم التزام الجَماعة ودعوة الغير، ولكن تَقصير الغير لا يعدُّ مُبرِّرًا لأن يُقصِّر.
٣/عدم استِصغار العمل أو النظر إليه على أنه قليل؛ فرُبَّ أمرٍ تراه صغيرًا وهو عند الله كبير وعظيم؛ ولهذا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحقرنَّ مِن المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاكَ بوجه طَلْقٍ)، والقرآن الكريم يُعمِّق ذلك في نفس المؤمن؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ ٧-٨ الزلزلة
عن أبي هريرة: أن امرأةً سوداءَ كانتْ تَقُمُّ المسجد – أو شابًّا – ففقَدَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات، قال: ((أفلا كنتم آذَنتُموني))، فكأنهم صغَّروا أمرَها، أو أمره، فقال: ((دُلُّوني على قبره))، فدَلُّوه، فصلَّى عليها، ثم قال: ((إن هذه القبورَ مملوءةٌ ظُلْمةً على أهلها، وإن الله تعالى يُنوِّرُها لهم بصلاتي عليهم))؛ متفق عليه
٤/ربط العمل بالمآلات النتائج:
فإن المُدقِّق في قول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: (فوالله لَأنْ يَهديَ الله بكَ رجلاً واحدًا خيرٌ لك مِن حُمر النَّعَم) وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنةً، فله أَجرُها وأجْر مَن عمل بها مِن بعده، مِن غير أن يَنقُص مِن أجورهم شيء)) يَعلم أهمية الإيجابية، فإذا أدرك المسلم أن أداء واجبِه نحو الدِّين يُحقِّق له هذا الأجر العظيم، وجب عليه أن يُسارع.
٥/ألا يُكلِّف النفس ما لا تُطيق؛ فإنَّ تكليف النفس ما لا تُطيق يؤدِّي إلى الفُتور واليأس عند الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ ٢٨٦ البقرة فأحب العمل للنبي الدائم وان قلّ
٦/البيئة المحفزة للعطاء:
فلا شك أن البيئات الداعمة للعطاء مهمة للمرء ولهذا شرعت الهجرة وأمر المسلم بهجر المعصية واشخاصها واماكنها ودواعيها ودوافعها ومسبباتها
٧/الصاحب ساحب:
قاا تعالى:”قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (٥١)يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ (٥٦) الصافات .
أخي المسلم
ان قيمةُ المرءِ إنما تقاسُ بعطائه وما يقدمهُ من خيرٍ متعدٍ، ونفعٍ مستمر، يعودُ نفعهُ عليهِ وعلى مجتمعه، عاجلًا وآجلا.
فإيجابيٌ كالغيث أينما وقعَ نفع
وهي طاقةٌ بناءه، وروحٌ وثابة قال صلى الله عليه وسلم: «خير الناسِ أنفعهم للناس
وهي شعورٌ بالمسؤولية، وسعيٌ للإصلاح، وتعاونٌ على البر والتقوى، واستجابةٌ لداعي الخير والفلاح، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾٢٤ الأنفال
وهي أن تسير في دروب الطاعة بعزيمة، وأن تمضي في إعمار الحياة بهمّة، وأن تواجه التحدياتِ بقوة، وأن تجتازَ الأزماتِ بثبات، وتؤقنُ أنّ الخيرَ غالب وأنَّ وعدَ الله حقٌّ نافذ وأنَّ العاقبة للمتقين، وأنَّ الله لا يضيع أجر المحسنين.
والايجابية عدل وصراط مستقيم في كل تفاصيل الحياة
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”٧٦ النحل
وعليه:
فلا بد من القيام بما أوجبه علينا الرب تعالى ثقة في وعده واصلاحا للحياة وسدا للثغرات وتعاونا لاجتياز محنة بلادنا خروجا من غل الصدور وشح النفوس فان عمارة البلاد تحتاج لجهود الكل مع الكل والله الموفق والمستعان.
والحمدلله رب العالمين
احمد الجبراوي
بورتسودان ٣٠ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ ٢٠٢٥/١١٢١م






